يبدو أن الأمل بدأ يقترب أكثر من أي وقت مضى لملايين الأشخاص الذين يعيشون يوميًا مع مرض السكّري من النوع الثاني، بعدما أعلن فريق من الباحثين عن اكتشاف علمي غير مسبوق قد يفتح الباب أمام علاج جذري لهذا المرض الذي يُعد من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا في العالم.
فبحسب ما نقلته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، نشر فريق من العلماء دراستهم الجديدة في المجلة العلمية المرموقة “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications)، حيث كشفوا عن وجود جين محدّد يُعرف باسم SMOC1، قد يكون هو المفتاح لفهم الأسباب الحقيقية التي تجعل خلايا البنكرياس تفقد قدرتها على إنتاج الأنسولين.
🔬 من أين بدأت؟
في جسم الإنسان، يقوم البنكرياس بدور بالغ الأهمية في تنظيم مستوى السكر في الدم، وذلك عبر نوعين من الخلايا:
خلايا “بيتا” التي تفرز الأنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن خفض السكر.
وخلايا “ألفا” التي تفرز الغلوكاغون، الهرمون الذي يقوم بالعكس ويرفع مستوى السكر عند الحاجة.
في الأشخاص الأصحاء، يعمل التوازن بين هذين الهرمونين بدقة مذهلة، لكن عند المصابين بالسكري من النوع الثاني، يختل هذا النظام تمامًا.
وهنا جاء الاكتشاف الجديد: فقد لاحظ الباحثون أن جين SMOC1 الذي يُفترض أن يكون نشطًا فقط في خلايا “ألفا”، أصبح ينشط أيضًا داخل خلايا “بيتا” لدى المرضى، وهو أمر غير طبيعي تمامًا.
⚙️ ماذا يحدث عند تفعيله؟
عندما ينشط هذا الجين داخل خلايا “بيتا”، تبدأ هذه الأخيرة بفقدان “هويتها البيولوجية”، فتتوقف عن أداء وظيفتها الأصلية في إنتاج الأنسولين، وتتحول تدريجيًا إلى خلايا شبيهة بخلايا “ألفا”.
هذه الظاهرة تفسّر للمرة الأولى السبب الجذري وراء ضعف إفراز الأنسولين الذي يُميّز داء السكّري من النوع الثاني.
وقال الدكتور جيمينغ لور، الباحث في مؤسسة City of Hope الأميركية:
“لقد لاحظنا أن جين SMOC1 الذي يجب أن يكون نشطًا فقط في خلايا ألفا، أصبح نشطًا أيضًا في خلايا بيتا لدى مرضى السكري، وهو ما يؤدي إلى فقدانها لهويتها الطبيعية، وبالتالي عجزها عن إنتاج الأنسولين كما ينبغي.”
🧪 كيف توصّل الباحثون إلى هذا الاكتشاف؟
اعتمد الفريق على تقنية حديثة تُعرف باسم “تسلسل الحمض النووي الريبي أحادي الخلية”، وهي تقنية دقيقة تسمح بتحليل الخلايا واحدة تلو الأخرى لتحديد نشاط الجينات داخلها.
قام العلماء بتحليل عينات من أنسجة بنكرياس 26 متبرعًا، نصفهم من المصابين بداء السكري من النوع الثاني، والنصف الآخر من الأصحاء.
وبفضل هذه التقنية المتقدمة، تمكنوا من رسم خريطة دقيقة لتغيّرات الخلايا داخل البنكرياس، وتحديد المراحل التي تفقد فيها خلايا بيتا هويتها الطبيعية وتتحول إلى خلايا أخرى.
وتمكنوا كذلك من اكتشاف خمسة أنواع فرعية مختلفة من خلايا ألفا، من بينها نوع غير ناضج يُعرف بـ“خلايا AB”، وهي قادرة على التحول إلى خلايا ألفا أو بيتا بحسب الظروف.
لكن المفاجأة كانت عندما قام الباحثون بزيادة مستويات بروتين SMOC1 في خلايا بيتا داخل المختبر، فلاحظوا أن إنتاج الأنسولين انخفض بشكل كبير، وأن الخلايا بدأت فعلاً تتحول إلى أنواع أخرى غير قادرة على أداء دورها.
📈 النتائج كانت صادمة وواضحة
بعد تحليل البيانات بدقة، تبيّن أن مستويات بروتين SMOC1 كانت مرتفعة جدًا في أنسجة البنكرياس لدى مرضى السكري، وخاصة داخل خلايا بيتا نفسها، وهو ما يؤكد أن هذا الجين يؤدي دورًا مباشرًا في تطور المرض.
وقال الباحث المشارك في الدراسة الدكتور راندي كانغ:
“جين SMOC1 لم يكن موضع دراسة من قبل في سياق مرض السكري، لكن نتائجنا تُظهر أنه يتحكم بشكل واضح في طريقة تمايز خلايا بيتا ووظيفتها.”
💡 ماذا يعني ذلك لمستقبل العلاج؟
حتى اليوم، تعتمد أغلب العلاجات على تنظيم مستوى السكر في الدم أو تحفيز إفراز الأنسولين، مثل الأدوية الشهيرة أوزمبيك (Ozempic) ومحفزات مستقبلات GLP-1، لكنها لا تعالج السبب الحقيقي للمرض.
أما هذا الاكتشاف الجديد، فيُمهّد الطريق نحو علاج جذري يستهدف الجين المسؤول عن فقدان خلايا بيتا وظيفتها، مما قد يساعد مستقبلاً في إعادة برمجة الخلايا التالفة واستعادة قدرتها على إنتاج الأنسولين بشكل طبيعي.
ورغم أن العلاجات الجينية التي تستهدف SMOC1 لا تزال في مراحلها الأولى، فإن العلماء يؤكدون أن هذا الاكتشاف يمثل خطوة تاريخية في طريق علاج مرض السكّري من جذوره، وليس فقط السيطرة على أعراضه.
أمل حقيقي يلوح في الأفق
مع كل هذا التقدم، يرى الباحثون أن السنوات القادمة قد تشهد طفرة طبية كبيرة في علاج مرض السكّري من النوع الثاني، وربما الوصول إلى مرحلة يمكن فيها منع تطوّر المرض أو حتى عكس مساره تمامًا.
إنه أمل جديد يُعيد الثقة لملايين المرضى الذين طال انتظارهم لعلاج ينهي معاناتهم اليومية مع قياس السكر والحقن والحمية الصارمة.
وربما يكون هذا الاكتشاف هو بداية الطريق نحو ذلك اليوم المنتظر.
