في وقت تواجه فيه تونس تحدّيات اقتصادية ومالية كبيرة، جاء لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد اليوم بقصر قرطاج بمحافظ البنك المركزي فتحي زهير النوري ليكشف عن ملف شديد الحساسية، وهو ملف تبـ -ـييض الأموال وتهـ -ـريبها، الذي وصفه الرئيس بأنه “جـ -ـريمة اقتصادية كبرى تُرتكب في حق الدولة والشعب”.
سعيّد شدّد منذ بداية اللقاء على أنّ خطورة هذه الظاهرة لا تكمن فقط في حجم الأموال المتدفقة بشكل مشبوه من الخارج، بل أيضًا في طريقة إدارتها واستغلالها بعيدًا عن أي رقابة أو مساءلة. وأوضح أن تقارير عديدة أثبتت أنّ هناك أفرادًا ومؤسسات، مالية وغير مالية، تستغل هذه الأموال في الخفاء، في عمليات قد تمسّ بشكل مباشر أمن الدولة واقتصادها.
الرئيس لم يخفِ استياءه من البطء أو التراخي في مواجهة هذه الممارسات، حيث قال إنّ المشكلة ليست في غياب القوانين، فالقوانين موجودة وواضحة، بل في عدم تطبيقها بالصرامة المطلوبة. وأضاف أنّ لجنة التحاليل المالية تتحمّل مسؤولية مباشرة في هذا الملف، وعليها أن تقوم بواجبها دون أي تأخير أو تردّد، لأنّ التراخي يعني منح الفرصة للمجرمين الماليين لمواصلة العبث بالاقتصاد الوطني.
كما دعا سعيّد البنك المركزي إلى أن يكون في قلب هذه المعركة، مؤكّدًا أنّ استقلاليته كمؤسسة لا تعني أن يكون معزولًا عن سياسة الدولة، بل أن يعمل في انسجام مع التوجّه الوطني العام. وقال الرئيس بوضوح: "البنك المركزي مؤسسة عمومية، وهو يتمتع بالاستقلالية لا بالاستقلال"، في إشارة إلى أنّ الاستقلالية يجب أن تكون في خدمة المصلحة الوطنية وليس خارجها.
وخلال اللقاء، تطرّق رئيس الجمهورية أيضًا إلى الوضع الاقتصادي الحالي، مشيرًا إلى بعض المؤشرات الإيجابية مثل التحكم في نسبة التضخم، استقرار سعر صرف الدينار وارتفاع احتياطي العملة الصعبة. لكنّه شدّد على أنّ هذه المؤشرات لا قيمة لها إذا لم تنعكس مباشرة على حياة التونسيين اليومية، من خلال تحسين المقدرة الشرائية وتوفير خدمات أفضل، لأنّ المواطن العادي هو من يجب أن يلمس نتائج هذه التحسينات، لا أن تبقى أرقامًا تقنية بعيدة عن الواقع.
وفي ختام اللقاء، أكّد سعيّد أنّ مكافحة الفساد المالي والاقتصادي ليست خيارًا بل هي معركة وجود بالنسبة للدولة، قائلاً: "لن نسمح بأن تتحوّل تونس إلى ساحة لتبـ -ـييض الأموال أو ملاذ آمن للفاسدين مهما كانت مواقعهم". وأضاف أنّ هذه المواجهة لن تتوقف، وأنّ كل أجهزة الدولة معنيّة بها من أجل حماية المال العام وصون كرامة الشعب.
بهذا التصريح القوي، بعث رئيس الجمهورية رسالة واضحة للداخل والخارج مفادها أنّ زمن التساهل مع الفساد المالي انتهى، وأنّ تونس مقبلة على مرحلة جديدة عنوانها المحاسبة والصرامة في تطبيق القانون.