مع اقتراب موسم جني الزيتون في تونس، تتوجّه الأنظار من جديد إلى واحدة من أهمّ الركائز الاقتصادية والفلاحية في البلاد، وهي صابة الزيتون التي تُعتبر “ذهبًا أخضر” لكل التونسيين. هذه الفترة عادةً ما ترافقها تساؤلات حول حجم الإنتاج الوطني، الأسعار المتوقعة، وتأثير السوق العالمية على المستهلك المحلي.
التقديرات الأولية الصادرة عن المرصد الوطني للفلاحة، مدعومة بتقارير دولية، تُشير إلى أنّ موسم 2025-2026 سيكون مختلفًا عن المواسم الأخيرة، حيث يُتوقّع أن يرتفع الإنتاج العالمي من زيت الزيتون إلى ما بين 3.3 و3.9 مليون طن، أي بزيادة تُناهز 30% مقارنة بالموسم الفارط.
هذه الزيادة الكبرى لا تأتي من فراغ، بل هي نتيجة مباشرة لتحسّن الظروف المناخية خلال السنة الفارطة في أهم الدول المنتجة مثل تونس، إسبانيا، وإيطاليا، حيث ساعدت الأمطار الغزيرة وانتظام المواسم الزراعية على نموّ المحاصيل بشكل أفضل.
على الصعيد العالمي، هذه الوفرة من المنتظر أن تساهم في استقرار الأسعار أو حتى في تراجعها نسبيًا داخل الأسواق الدولية، وهو ما قد يعود بالفائدة على تونس التي تعتمد بنسبة 80% تقريبًا من إنتاجها على التصدير، لتبقى واحدة من أهمّ المزوّدين في السوق العالمية.
أما في الداخل، فالتوقعات تبدو مشجّعة للغاية: إذ تشير الأرقام إلى أنّ تونس ستُسجّل إنتاجًا في حدود 340 ألف طن من زيت الزيتون خلال الموسم الجديد، أي بزيادة تصل إلى 55% مقارنة بالموسم الفارط الذي لم يتجاوز 220 ألف طن.
هذه الوفرة تُعتبر بمثابة متنفس للسوق الداخلية، خاصة في ظل الارتفاع الكبير الذي شهدته الأسعار خلال السنة الماضية. فكلما زاد العرض، كلما ارتفعت فرص التراجع في الأسعار وتوفّر الزيت للعائلات التونسية بشكل أيسر.
الحكومة التونسية، عبر الديوان الوطني للزيت، أعلنت أنّ سعر الزيت المدعوم سيبقى عند 12.5 دينارًا للتر الواحد من الزيت البكر الممتاز. غير أنّ خبراء المجال لم يستبعدوا أن تنزل الأسعار إلى حدود 10 دنانير للتر أو تتراوح بين 10 و12 دينارًا مع انطلاق موسم الجني في أكتوبر 2025، خاصّة إذا قرّرت الدولة ضخّ كميات إضافية أو مراجعة السعر المدعوم بهدف التخفيف من الأعباء على المستهلك. أمّا في السوق الحرة، فمن المتوقع أن تستقر الأسعار بين 12 و15 دينارًا للتر.
وللتوضيح أكثر، فإنّ الاستهلاك السنوي للمواطنين من زيت الزيتون يُقدّر بحوالي 30 مليون لتر، منها فقط 7.5 مليون لتر مدعومة (أي 25% من الاستهلاك). هذه النسبة عادة ما تكون غير كافية لتغطية حاجيات السوق، لكن إذا تمّت مراجعتها ورفعها، قد يجد المواطن الزيت بسعر أنسب هذه السنة.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أنّ موسم الزيتون القادم لا يقتصر فقط على كونه فرصة اقتصادية لتونس في الأسواق العالمية، بل يحمل أيضًا بُعدًا اجتماعيًا ومعيشيًا مباشرًا للمواطن. فالموسم يُوصف منذ الآن بالمُبشّر، وقد يكون بداية لانفراج نسبي في أسعار واحدة من أكثر المواد الاستهلاكية ارتباطًا بالمائدة التونسية.
الفيديو;