اهتزّت الجالية التونسية في فرنسا، ومعها الرأي العام في تونس، على وقع خبر مؤلم وصادم: مقتل الشاب التونسي عبد القادر ذيبي يوم 2 سبتمبر 2025 بمدينة مرسيليا، برصاص الشرطة الفرنسية.
التفاصيل التي كشفتها تقارير الطب الشرعي أظهرت أنّ الفقيد أصيب بـ 8 رصاصات قاتلة على مستوى الصدر، وهو ما يعكس قسوة التدخّل الأمني، ويطرح أكثر من سؤال حول خلفيات الحادثة، خاصة في ظلّ شهادات تحدّثت عن أنّ عبد القادر كان في حالة دفاع عن نفسه ولم يكن يشكّل تهديدًا جدّيًا يبرّر تصفيته بهذه الطريقة الدموية.
شهادات متطابقة أكدت أنّ الشاب لم يكن يحمل سلاحًا ناريًا، بل كان في مواجهة مع عصابات معروفة في المنطقة، ولم يكن في وضعية هجومية ضد الشرطة كما روّجت بعض الأطراف. بل بالعكس، آثار العنف التي بدت واضحة على جسده كشفت أنّه تعرّض للضرب وهو على الأرض قبل إطلاق النار عليه، في مشهد يختزل أبشع صور العنصرية والتعامل القاسي مع أبناء الجالية التونسية.
هذا المشهد المأساوي أعاد للأذهان حوادث أخرى مشابهة في فرنسا، حيث يُتهم بعض عناصر الشرطة باللجوء إلى العنف المفرط ضد المهاجرين وخاصة من أصول شمال إفريقية، في حين يتم تبرير هذه الممارسات تحت غطاء "الدفاع الشرعي"، رغم أنّ الوقائع الميدانية تثبت عكس ذلك.
الصدمة لم تقف عند هذا الحد، بل ازدادت مع الموقف الرسمي الفرنسي الذي بدا متناقضًا مع حجم الفاجعة، ما دفع تونس إلى التحرّك رسميًا. ففي اليوم الموالي للحادثة، استدعى كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج القائم بالأعمال بالنيابة بالسفارة الفرنسية بتونس، في غياب السفيرة. وقد تمّ إبلاغه احتجاجًا شديد اللهجة من الدولة التونسية، التي اعتبرت ما حصل قتلًا غير مبرّر، وطالبت بفتح تحقيق عاجل وجاد لتحديد المسؤوليات ومحاسبة كل من تورّط في هذه الجريمة.
إلى جانب ذلك، أسدى رئيس الجمهورية تعليماته إلى سفير تونس بباريس لإيصال نفس الموقف إلى السلطات الفرنسية، مع التأكيد على ضرورة متابعة الملف بكل حزم، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحفظ حقوق الفقيد وعائلته. كما تمّت دعوة القنصلية العامة بمرسيليا للتحرّك السريع من أجل استكمال الترتيبات اللازمة لنقل جثمان عبد القادر إلى تونس في أقرب الآجال.
ولم تغفل الدولة التونسية عن الجانب الإنساني، إذ سارعت وزارة الشؤون الخارجية إلى التواصل مع عائلة الضحية، لتقديم واجب التعزية وإحاطتها بكل الخطوات المتخذة.
اليوم، وبين الغضب الشعبي والإدانة الرسمية، يبقى السؤال المطروح: هل ستتجاوب فرنسا مع هذا المطلب الشرعي وتكشف الحقيقة كاملة؟ أم أنّ القضية ستُطوى كما طُويت ملفات أخرى مشابهة من قبل؟
ما هو مؤكّد أنّ هذه الحادثة المأساوية أعادت لتونس ولأبنائها في الخارج ذكرى قديمة ومؤلمة، مفادها أنّهم رغم كل التضحيات والجهود التي قدّموها في بناء فرنسا وخدمتها، مازالوا يواجهون خطر العنصرية والمعاملة القاسية، فقط لأنهم "مهاجرون".
الفيديو1:
