في السنوات الأخيرة، صار الطقس في تونس وكل منطقة البحر الأبيض المتوسط مثيرًا للقلق، وأحداثه لم تعد عادية كما كانت في السابق. موجات حرّ غير مسبوقة، أمطار طوفانية في وقت قصير، وفيضانات تخلّف وراءها خسائر بشرية ومادية. وفي هذا السياق، خرج المهندس بالمعهد الوطني للرصد الجوي محرز الغنوشي بتصريح صارم حذّر فيه من خطورة المرحلة القادمة، مؤكدًا أنّ التغيرات المناخية صارت واقعًا ملموسًا، وليست مجرد توقعات بعيدة.
الغنوشي شدّد على أنّ الفيضانات التي شاهدناها في السنوات الأخيرة ليست حوادث متفرقة أو صدفة، بل هي جزء من منظومة مناخية جديدة بدأت تتشكل حول المتوسط. هذه المنظومة تتميز بما يُعرف بـ العواصف المتوسطية أو Medicanes، وهي أعاصير صغيرة لكن قوية، قادرة على إغراق المدن خلال ساعات قليلة.
🔹 المشكل الرئيسي حسب الغنوشي هو سخونة مياه البحر الأبيض المتوسط. الأرقام الرسمية بيّنت أنّ الفترة بين 2014 و2024 سجّلت ارتفاعًا قياسيًا في حرارة مياه البحر، لدرجة أنّه أصبح واحدًا من أسرع المسطحات المائية سخونة في العالم. هذا الارتفاع الضخم في الحرارة يعني تبخرًا أسرع، وسحبًا أكثر كثافة، وأمطارًا تتساقط في مدد زمنية قصيرة جدًا، لتتحول إلى سيول جارفة يصعب احتواؤها.
لكن الصورة لا تقف عند حدّ الطقس فقط. الغنوشي أوضح أنّ النظام البيئي البحري يتأثر بشكل مباشر: مواسم الصيد لم تعد منتظمة، بعض أنواع الأسماك الحساسة بدأت تتراجع بشكل مقلق، وفي المقابل ظهرت أنواع غريبة عن المنطقة، من أبرزها سمكة الأرنب التي تهدد الثروة البحرية المحلية وتغيّر التوازن البيولوجي. كما أن ارتفاع الحرارة ساعد على تكاثر الطحالب السامة، وهو خطر جديد يهدد الصحة العامة والاقتصاد البحري معًا.
إلى جانب ذلك، أشار الغنوشي إلى أنّ العامل البشري ساهم في مفاقمة الوضع. فالتوسع العمراني العشوائي فوق الأودية ومجاري المياه، وغياب شبكة فعالة لتصريف مياه الأمطار في أغلب المدن، جعلا الكوارث الطبيعية تتحول بسرعة إلى كوارث إنسانية، حيث تنهار الطرقات والمنازل وتتضرر الممتلكات، ويجد المواطن نفسه في مواجهة مباشرة مع الخطر.
أمام كل هذه المعطيات، دعا الغنوشي إلى عقد قمة متوسطية بيئية استثنائية، تجمع كل الدول المطلة على المتوسط حول طاولة واحدة، من أجل تنسيق الجهود ووضع خطة عاجلة قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة. فهو يرى أنّ المشكل لم يعد محليًا أو إقليميًا ضيقًا، بل هو تحدٍّ جماعي يحتاج إلى تعاون شامل.
وفي ختام تصريحه، وجّه الغنوشي تحذيرًا مباشرًا للتونسيين بضرورة الاستعداد لموسم الخريف القادم، الذي قد يجلب معه موجات جديدة من الأمطار العنيفة. وأكّد أنّ الحل يبدأ بالوعي المجتمعي والإرادة السياسية، لأنّ تجاهل الأمر لن يزيد إلا في حجم الخسائر، بينما الاستعداد المبكر يمكن أن ينقذ الأرواح ويخفّف الأضرار.
الفيديو: