في تونس، يظلّ ملف جرايات المتقاعدين من أكثر المواضيع حساسية وإثارة للجدل، خصوصًا بالنسبة لمتقاعدي القطاع الخاص المنتفعين بجرايات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS). فالكثير من هؤلاء اليوم يواجهون صعوبات يومية حقيقية، حيث لم تعد الجرايات التي يتحصّلون عليها قادرة على تغطية أبسط الاحتياجات الأساسية، من مأكل ودواء وفواتير، في وقت تشهد فيه الأسعار ارتفاعًا مستمرًا يثقل كاهل كل العائلات.
فجوة بين القطاعين… ظلم يزداد وضوحًا
المشكل الأكبر اللي يطرحو الملف هذا هو الفارق الكبير بين جرايات المتقاعدين من القطاع العام (CNRPS) والمتقاعدين من القطاع الخاص (CNSS).
ففي حين يتمتّع متقاعدو القطاع العام بجرايات أفضل نسبيًا، يظلّ متقاعدو القطاع الخاص يعانون من مبالغ ضعيفة جدًا، رغم أنهم قضّوا سنوات طويلة من العمل ودفعوا مساهمات طوال مسيرتهم المهنية. هذه الفجوة خلقت نوع من اللاعدالة الاجتماعية، وأصبحت حديث الشارع، خاصة مع تدهور القدرة الشرائية وتزايد متطلبات الحياة اليومية.
وزارة الشؤون الاجتماعية… بحث عن حلول واقعية
إزاء هذه الأوضاع، تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية حاليًا على إعداد خطة لإصلاح نظام الجرايات، بهدف تقليص الفجوة وتحقيق قدر من المساواة بين المتقاعدين من القطاعين. الخطة تقوم على مقترحات عملية، من بينها:
زيادات تدريجية في الجرايات، تُطبق على مراحل، مع إعطاء الأولوية للشرائح الضعيفة وذوي الدخل المحدود.
مضاعفة الجراية الدنيا وربطها بسلة استهلاك أساسية تواكب أسعار السوق الحالية.
إحداث منحة صحية إضافية لفائدة المتقاعدين المصابين بأمراض مزمنة، للتخفيف من المصاريف المرتبطة بالعلاج والتداوي.
التمويل… تحدي أساسي
لكن السؤال الكبير يبقى: منين باش تجي الفلوس؟
الوزارة تقترح عدة حلول لضمان استدامة الإصلاحات، أهمها:
1- رفع مدروس لنسب المساهمات الاجتماعية، بحيث يكون متوازن وما يرهقش المؤسسات.
2- تحسين استخلاص المساهمات غير المدفوعة، حتى تضمن الصناديق تدفق مالي ثابت.
3- مكافحة التهرب الاجتماعي وإدماج العاملين في الاقتصاد الموازي ضمن المنظومة، ما يعني توسيع قاعدة المساهمين وبالتالي تقوية موارد الصناديق.
انعكاسات مباشرة على المجتمع
لو يتم تنفيذ هالإجراءات، باش تكون عندها نتائج ملموسة على حياة آلاف المتقاعدين وعائلاتهم، من بينها:
تحسين القدرة الشرائية وتقليص العجز في تلبية الاحتياجات اليومية.
تسهيل النفاذ للخدمات الصحية، خاصة للي يعانيوا من أمراض مزمنة.
تعزيز العدالة الاجتماعية والحد من الفوارق الاقتصادية بين فئات المجتمع.
تحديث قائمة الأمراض المزمنة
إلى جانب الإصلاحات المالية، وزارة الشؤون الاجتماعية تشتغل كذلك على تحديث قائمة الأمراض المزمنة اللي تغطيها الصناديق الاجتماعية، حتى تشمل أمراض جديدة صارت شائعة وتتطلب علاج مستمر. هالإجراء يعتبر خطوة إضافية للتخفيف من الأعباء الثقيلة اللي يعيشها المتقاعد المريض، ويمكّنه من مواصلة العلاج دون خوف من المصاريف المرتفعة.
خلاصة:
القضية اليوم ما هيش مجرد أرقام أو قوانين تقنية، بل هي مرتبطة مباشرة بكرامة آلاف الناس اللي أفنوا أعمارهم في العمل، واللي يطالبوا فقط بجراية تمكّنهم من عيش كريم. الإصلاحات المقترحة قد تكون بداية طريق جديد نحو عدالة اجتماعية حقيقية، لكن نجاحها يظلّ رهين التطبيق الفعلي والقدرة على توفير التمويل اللازم دون تعطيل بقية المنظومة الاقتصادية.
الفيديو;