مع أولى ساعات الفجر من يوم السبت 6 سبتمبر 2025، استيقظت مختلف ولايات الجمهورية على مشهد غير معتاد: تحركات أمنية واسعة ومتزامنة شملت عشرات الفرق من الأمن والحرس الوطني، التي انتشرت بشكل مفاجئ داخل أسواق الجملة الكبرى.
هذا التحرّك لم يكن عادياً، بل جاء تنفيذاً مباشراً لتعليمات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي شدّد في أكثر من مناسبة على أنّ الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام ظاهرة المضاربة والاحتكار وغلاء الأسعار غير المبرّر.
فمنذ أشهر، ظلّت الأسعار، وخاصة أسعار الخضر والغلال والمواد الاستهلاكية، في حالة ارتفاع متواصل، ما أثقل كاهل التونسيين وأصبح مصدر قلق يومي لكل العائلات.
كثيرون كانوا يتساءلون: لماذا هذه الأسعار ترتفع رغم وفرة الإنتاج أحياناً؟ ومن يقف وراء التلاعب بالتوزيع؟ وجاءت الحملة الأخيرة كإجابة عملية على هذه الأسئلة، ورسالة قوية بأن الدولة قرّرت الدخول مباشرة على خط الأزمة.
العمليات شملت كل المراحل: من نقاط التزويد الأولى، مروراً بالوسطاء، وصولاً إلى الباعة في أسواق الجملة. رجال الأمن والحرس قاموا بمراقبة دقيقة للوثائق، للأسعار المعلنة، ولطرق التوزيع، في محاولة لوضع حد للتجاوزات التي يتضرر منها بالدرجة الأولى المواطن البسيط. لكن الهدف لم يكن الردع فقط، بل أيضاً التوعية والتحسيس بضرورة الالتزام بالشفافية والبيع العادل.
وزارة الداخلية أوضحت في بلاغها أنّ هذه الحملة تمثل بداية لمقاربة جديدة، لا تقوم فقط على الردع القانوني، بل على ترسيخ قيم التضامن الوطني. بمعنى آخر، الدولة تريد أن تضع مصلحة المواطن قبل مصالح المضاربين، وأن تضمن حق الفلاح في ترويج إنتاجه بسعر معقول، وحق المستهلك في شراء ما يحتاجه دون أن يشعر أنّه ضحية للغش أو الاحتكار.
المثير أنّ هذه العمليات لم تلقَ معارضة من المواطنين، بل العكس، فقد استقبلها الكثيرون بارتياح، معتبرين أنّها خطوة ضرورية بعد أشهر من الغلاء غير المسبوق. كثير من المتابعين أشاروا إلى أنّ المعركة ضد الاحتكار ليست سهلة، لكنها ممكنة إذا تواصلت بهذه الجدية، خاصة وأنّها جاءت بأوامر رئاسية مباشرة تعطيها زخماً أكبر.
الحملة الأمنية قد تكون البداية فقط، فالمؤشرات تؤكد أنّ الدولة ماضية نحو وضع آليات رقابية جديدة أكثر صرامة، لضمان توزيع عادل للمواد الأساسية على كامل جهات البلاد، ومنع أي طرف من التلاعب بقوت التونسيين.
وبينما تتواصل هذه الجهود، يبقى السؤال مطروحاً: هل تكفي هذه الخطوة لوحدها لكسر حلقة الغلاء، أم أنّها تحتاج إلى إجراءات أعمق تشمل إصلاح منظومة التوزيع كاملة؟
الفيديو: