هل مشروع الدستور خطوة نحو تفكيك الديمقراطية التونسية ؟

 





وصفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مشروع الدستور المطروح للاستفتاء في تونس في 25 جويلية/ يوليو الجاري بأنه خطوة كبيرة نحو تفكيك الديمقراطية نتيجة الصلاحيات الواسعة التي منحها الرئيس قيس سعيّد لنفسه وإضعاف السلطتين القضائية والتشريعية.

وتحت عنوان “الرئيس التونسي يصوغ الدستور ويمنح نفسه سلطات واسعة” اعتبرت الصحافية فيفيان ياي أن التصويت بنعم على مشروع الدستور المطروح في الاستفتاء المقرّر في 25 جويلية/ يوليو الجاري سيدفع التجربة الديمقراطية الوحيدة ضمن موجة الربيع العربي إلى الاستبداد.

برلمان ضعيف وقضاة بلا قوة

واستشهد التقرير في هذا الإطار بتقييم سعيد بن عربية، المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة الحقوقيين الدولية لمشروع الدستور التونسي.

وكتب بن عربية على تويتر، قائلا: “إن المشروع المقترح يكرّس نظاما سياسيا برئيس مطلق السلطة، مع برلمان ضعيف، وقضاء بلا قوة”.

تقرير الصحيفة الأمريكية تطرّق إلى مسار الأزمة السياسية في تونس منذ 25 جويلية/ يوليو 2021 بعد تعليق الرئيس سعيّد لنشاط البرلمان، قبل أن يبدأ سلسلة إجراءات لاحتكار السلطة وتركيزها بين يديه وسط حالة من الشلل السياسي واضطرابات اقتصادية.

وأضافت نيويورك تايمز: “تحت ادعاء إصلاح الوضع السياسي ومكافحة الفساد استولى قيس سعيّد على المؤسّسات والهيئات المستقلة، وسجن المعارضين، وفصل عشرات القضاة، وحكم بمراسيم رئاسية”.

اضطرابات اقتصادية

وسلط المقال الضوء أيضا على ما وصفه بالاضطرابات الاقتصادية التي تفاقم الضغوطات على الوضع السياسي في تونس، ما يتسبّب في إرباك مساعي الحكومة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق القد الدولي بشأن خطة إصلاحات وحزمة مساعدات يربطها الصندوق بالتزام سعيّد بتنفيذ خارطة الطريق السياسية التي أعلن عنها قبل أشهر وحصولها على التأييد الشعبي.

وترصد فيفيان ياي في المقال نبض الشارع والرأي العام في تونس تجاه الوضع السياسي وضعف التفاعل والاهتمام بقيس سعيّد وخارطة الطريق، وخاصة المتعلقة بالاستفتاء على الدستور مشيرة إلى أن أقل من 10 بالمائة شاركوا قبل بضعة أشهر في استطلاع إلكتروني بشأن تعديل النظام السياسي للبلاد وصياغة الدستور الجديد وسط مقاطعة القوى والأحزاب السياسة والمجتمع المدني وكبرى المنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل.

سلطات واسعة للرئيس

علقت فيافيان ياي على صياغة مسودة الدستور بالقول: “في النهاية، تمت كتابة المسودة من قبل لجنة اختارها قيس سعيّد، وسط توقعات أن يسير الاستفتاء باتجاه المصادقة عليه، وبالتالي استكمال محطة مهمة في مشروعه السياسي في ظل سيطرته على هيئة الانتخابات، وعدم التنصيص على حد أدنى من المشاركة المطلوبة لتمرير مشروع الدستور”.

التقرير تطرّق كذلك إلى مضمون الدستور المقترح، والذي يقطع مع النظام البرلماني وسيطرته على تشكيل الحكومة والموافقة على التشريعات.

ويمنح مشروع الدستور حسب الصحيفة الأمريكية الرئيس سعيّد سلطات واسعة وحصانة كاملة مع دور محدود جدا للبرلمان واستقلالية اسمية للسلطة القضائيةن فيما يحتفظ بمعظم بنود الدستور الحالي المتعلقة بالحقوق والحريات.

و”يتمتع سعيّد في المشروع المقترح بسلطة تعيين الحكومة واقتراح القوانين كما يقوم وحده بوضع المعاهدات وصياغة الميزانيات وتعيين القضاة والوزراء أو عزلهم… ويحق له حل البرلمان، كما لا توجد آلية لإقالته”، وفق التقرير.  

ويستشرف مقال النيويورك تايمز آفاق المشهد السياسي في تونس، إذ سيسمح مشروع الدستور لسعيّد بمواصلة الحكم بمراسيم حتى الانتخابات التشريعية في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

احتقان اجتماعي

وتخلص فيفيان ياي في قراءتها إلى تمرير الاستفتاء على الدستور أنه لنن يحل الأزمة السياسية في تونس، في ظل تزايد ضغوط القوى المعارضة للرئيس التونسي وإضرابات النقابات التي تشل القطاعات الكبرى وتراجع مستوى شعبيته لدى عموم التونسيين.  

وبحسب التقرير فإن العامل الحاسم في نجاح خطط قيس سعيّد وفشلها هو الملف الاقتصادي وتأثيره على الوضع الاجتماعي الذي يعيش على وقع حالة من الاحتقان المستمر نتيجة توالي أزمات الغلاء والتضخم وانقطاع المواد الأساسية والخبز من الأسواق في الأشهر الماضية، بالتزامن مع مساعي الحكومة لمعالجة أزمة عجز الموازنة والمديونية الثقيلة وإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي لبدأ تنفيذ خطة إصلاحات تواجه برفض شعبي ونقابي واسع، وهي عوامل تعقّد من خطط سعيّد السياسية وتربكها، وقد تضعه في مواجهة غضب الشارع إزاء تراكم الاحتقان الاقتصادي والاجتماعي مع الأزمة السياسية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم